سورة النور - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{ياأيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} أي بيوتاً لستم تملكونها ولا تسكنونها {حتى تَسْتَأْنِسُواْ} أي تستأذنوا، عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد قرأ به، والاستئناس في الأصل الاستعلام والاستكشاف استفعال من أنس الشيء إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً أي حتى تستعلموا أيطلق لكم الدخول أم لا، وذلك بتسبيحة أو بتكبيرة أو بتحميدة أو بتنحنح {وَتُسَلّمُواْ على أَهْلِهَا} والتسليم أن يقول السلام عليكم أأدخل ثلاث مرات، فإن أذن له وإلا رجع، وقيل: إن تلاقيا يقدم التسليم وإلا فالاستئذان {ذلكم} أي الاستئذان والتسليم {خَيْرٌ لَّكُمْ} من تحية الجاهلية والدمور وهو الدخول بغير إذن فكأن الرجل من أهل الجاهلية إذا دخل بيت غيره يقول حييتم صباحاً وحييتم مساء ثم يدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي قيل لكم هذا لكي تذكروا وتتعظوا وتعملوا ما أمرتم به في باب الاستئذان {فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا} في البيوت {أَحَدًا} من الآذنين {فَلاَ تَدْخُلُوهَا حتى يُؤْذَنَ لَكُمُ} حتى تجدوا من يأذن لكم، أو فإن لم تجدوا فيها أحداً من أهلها ولكم فيها حاجة فلا تدخولها إلا بإذن أهلها لأن التصرف في ملك الغير لا بد من أن يكون برضاه {وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارجعوا} أي إذا كان فيها قوم فقالوا ارجعوا {فارجعوا} ولا تلحوا في إطلاق الإذن ولا تلجوا في تسهيل الحجاب ولا تقفوا على الأبواب، لأن هذا مما يجلب الكراهة فإذا نهى عن ذلك لأدائه إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها من قرع الباب بعنف والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك، وعن أبي عبيد: ما قرعت باباً على عالم قط. {هُوَ أزكى لَكُمْ} أي الرجوع أطيب وأطهر لما فيه من سلامة الصدور والبعد عن الريبة أو أنفع وأنمى خيراً {والله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وعيد للمخاطبين بأنه عالم بما يأتون وما يذرون مما خوطبوا به فموف جزاءه عليه.


{لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ} في أن تدخلوا {بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} استثنى من البيوت التي يجب الاستئذان على داخلها ما ليس بمسكون منها كالخانات والربط وحوانيت التجار {فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} أي منفعة كالاستكنان من الحر والبرد وإيواء الرحال والسلع والشراء والبيع. وقيل: الخربات يتبرز فيها والمتاع التبرز {والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} وعيد للذين يدخلون الخربات والدور الخالية من أهل الريبة {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم} {من} للتبعيض والمراد غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل {وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ} عن الزنا ولم يدخل (من) هنا لأن الزنا لا رخصة فيه بوجه، ويجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفها وقدميها في رواية، وإلى رأس المحارم والصدر والساقين والعضدين {ذلك} أي غض البصر وحفظ الفرج {أزكى لَهُمْ} أي أطهر من دنس الاثم {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} فيه ترغيب وترهيب يعني أنه خبير بأحوالهم وأفعالهم وكيف يجيلون أبصارهم يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فعليهم إذا عرفوا ذلك أن يكونوا منه على تقوى وحذر في كل حركة وسكون.
{وَقُل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أبصارهن وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} أمرن بغض الأبصار فلا يحل للمرأة أن تنظر من الأجنبي إلى ما تحت سرته إلى ركبتيه، وإن اشتهت غضت بصرها رأساً ولا تنظر إلى المرأة إلا إلى مثل ذلك وغض بصرها من الأجانب أصلاً أولى بها. وإنما قدم غض الأبصار على حفظ الفروج لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور فبذر الهوى طموح العين {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب، والمعنى ولا يظهرن مواضع الزينة إذ إظهار عين الزينة وهي الحلي ونحوها مباح فالمراد بها مواضعها أو إظهارها وهي في مواضعها لإظهار مواضعها لا لإظهار أعيانها، ومواضعها الرأس والأذن والعنق والصدر والعضدان والذراع والساق فهي للإكليل والقرط والقلادة والوشاح والدملج والسوار والخلخال {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره وهو الوجه والكفان والقدمان، ففي سترها حرج بين فإن المرأة لا تجد بداً من مزاولة الأشياء بيديها ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها وخاصة الفقيرات منهن {وَلْيَضْرِبْنَ} وليضعن من قولك (ضربت بيدي على الحائط) إذا وضعتها عليه {بِخُمُرِهِنَّ} جمع خمار {على جُيُوبِهِنَّ} بضم الجيم: مدني وبصري وعاصم. كانت جيوبهن واسعة تبدو منها صدورهن وما حواليها وكن يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى مكشوفة فأمرن بأن يسدلنها من أقدامهن حتى تغطيها.
{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} أي مواضع الزينة الباطنة كالصدر والساق والرأس ونحوها {إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} لأزواحهن جمع بعل {أو ءَابآئهن} ويدخل فيهم الأجداد {أو آباء بعولتهن} فقد صاروا محارم {أَوْ أَبْنَائِهِنَّ} ويدخل فيهم النوافل {أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ} فقد صاروا محارم أيضاً {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أخواتهن} ويدخل فيهم النوافل وسائر المحارم كالأعمام والأخوال وغيرهم دلالة {أَوْ نِسَائِهِنَّ} أي الحرائر لأن مطلق هذا اللفظ يتناول الحرائر {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن} أي إمائهن ولا يحل لبعدها أن ينظر إلى هذه المواضع منها خصياً كان أو عنيناً أو فحلاً.
وقال سعيد بن المسيب: لا تغرنكم سورة النور فإنها في الإماء دون الذكور. وعن عائشة رضي الله عنها أنها أباحت النظر إليها لعبدها {أَوِ التابعين غَيْرِ} بالنصب: شامي ويزيد وأبو بكر على الاستثناء أو الحال، وغيرهم بالجر على البدل أو على الوصفية {أُوْلِى الإربة} الحاجة إلى النساء. قيل: هم الذين يتبعونكم ليصيبوا من فضل طعامكم ولا حاجة لهم إلى النساء لأنهم بله لا يعرفون شيئاً من أمرهن، أو شيوخ صلحاء، أو العنين أو الخصي والمخنث. وفي الأثر أنه المجبوب والأول الوجه {مِنَ الرجال} حال {أَوِ الطفل الذين} هو جنس فصلح أن يراد به الجمع {لَمْ يَظْهَرُواْ على عورات النساء} أي لم يطلعوا لعدم الشهوة من ظهر على الشيء إذا اطلع عليه، أو لم يبلغوا أوان القدرة على الوطء من ظهر على فلان إذا قوي عليه {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} كانت المرأة تضرب الأرض برجليها إذا مشت لتسمع قعقعة خلخالها فيعلم أنها ذات خلخال فنهين عن ذلك إذ سماع صوت الزينة كإظهارها ومنه سمي صوت الحلي وسواساً {وَتُوبُواْ إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَ المؤمنون} {أَيُّهُ} شامي إتباعاً للضمة قبلها بعد حذف الألف لالتقاء الساكنين، وغيره على فتح الهاء لأن بعدها ألفاً في التقدير {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} العبد لا يخلو عن سهو وتقصير في أوامره ونواهيه وإن اجتهد. فلذا وصى المؤمنين جميعاً بالتوبة وبتأميل الفلاح إذا تابوا وقيل: أحوج الناس إلى التوبة من توهم أنه ليس له حاجة إلى التوبة، وظاهر الآية يدل على أن العصيان لا ينافي الإيمان.


{وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ} الأيامى جمع أيم وهو من لا زوج له رجلاً أو امرأة، بكراً كان أو ثيباً، وأصله أيائم فقلبت {والصالحين} أي الخيرين أو المؤمنين، والمعنى زوجوا من تأيم منكم من الأحرار والحرائر ومن كان فيه صلاح {مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ} أي من غلمانكم وجواريكم والأمر للندب إذ النكاح مندوب إليه {إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء} من المال {يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ} بالكفاية والقناعة أو باجتماع الرزقين، وفي الحديث: «التمسوا الرزق بالنكاح» وعن عمر رضي الله عنه روي مثله {والله واسع} غني ذو سعة لا يرزؤه إغناء الخلائق {عَلِيمٌ} يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. وقيل: في الآية دليل على أن تزويج النساء والأيامى إلى الأولياء كما أن تزوج العبيد والإماء إلى الموالي. قلنا: الرجل لا يلي على الرجل الأيم إلا بإذنه فكذا لا يلي على المرأة إلا بإذنها لأن الأيم ينتظمها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8